وبدا غباء وقصور نظر الجيوب المسلحة خلال الثمانينات والتسعينيات مُثيرًا للتساؤل. إذ كان حجم العنف المرتكب حينها كافيًا جدًا لنقل السلطة من فلكٍ إلى فلكٍ جديد تمامًا، لكنه كان عُنفًا عشوائيًا اعتباطيًا بغير استراتيجيةٍ واضحة، بل تمكَّنت الدولة من توظيفه لدعم سُلطتها الأمنية. كما كان اندماج الإخوان، وغيرهم من المسيَّسين؛ في اللعبة السياسية انبطاحًا عشوائيًا بغير استراتيجية حقيقية، وهو الحضور الذي استخدمته الدولة لدعم شرعيّة نظامها السياسي المهلهل.
الفصل بين النظر والعمل، بالأصل؛ فصلٌ مدرسيٌّ إجرائيّ. لكنّهُ سمتٌ ملازم لكل الأنساق المعرفيّة الوضعيّة؛ سواء تلك التي انبنت أول أمرها على الوحي الإلهي، أو تلك التي طوَّرها الجدل المادّي بتغييب الوحي. ولزوم هذه الخاصيّة للأنساق المعرفيّة الوضعيّة سببه ليس المكوّن البشريّ مُجرّدًا، بل هيمنة المكوِّن الجدلي حتى على الأنساق ذات الأصل التوحيدي، بتطاول الأمد وتزايُد تشقيق المقولات الجدليّة-المذهبيّة من قلب مقولاتٍ بشرية. لكن العامل الأهم في بروز هذه الإمكانيّة وتفاقُم نتائجها هو صدور التصوّرات الوضعية كافة عن أُطرٍ نظريّة افتراضيّة مجرّدة؛